رواية للكاتبه رحاب إبراهيم
يلتهب بها الجمر للتدفئة .. وأي اختلاف يطلق بين أجيج صوت اللهب المسترسل من نيران المدفأة... وبين نيران تستعر بداخل قلبه منذ سنوات! يرفع خاتم كان يخص والدته قديما..وبلحظة چنونية ساذجة وضع اسما آخر عليه... كان ذلك منذ عشرة أعوام...ولم ينسى لحظة! كانت ذكراها تجسد العڈاب إذا ابتسم! وولادة الظلام! وهجر الربيع إلى بكاء المطر! ربما أراد قطار الذاكرة أن يقف عند تلك المحطة... محطة موحشة كانت كفن سعادته! سعادة أنتظرها عمرا ... ولم يربحها گ الفرس الرابح دائما وهزم عند نهاية السباق! وإلى الآن ينتظرها....بقلبه الأربعيني! تطلع بعينيه الرماديتان إلى ذلك الخاتم الذي احتفظ به حتى بعدما حفر عليه حروف اسمها....ليلى ! هذه ليلته...عذبته! كان بعيدا عن الحب....ولكنها أجبرته! كاد أن يسحق أسنانه من فرط الضغط بعصبية وڠضب من رنين الحب الذي كافح كي ېقتله بقلبه... ولكنه فشل فشلا ذريع ! وتاهت عينيه بحروف اسمها....ليلى يبدو أنه لن يفلح قط في نسيانها..... ولكن سيكتب ختام هذا العڈاب اليوم...كفى لهذا الحد... القى الكتاب بعصبية على فراشه وډفن ذلك الخاتم بمكانه المعتاد في خزينته الخاصة....ثم غادر غرفته ..وغادر المنزل بأكمله إلى عمله بالمستشفى... وكان قد أقبل الليل في ضجيج زئير اسود المطر والرعد الغاضب.... وفي الطابق الرابع من المشفى.... خرجت ممرضة بزيها الممزوج بين الأبيض والوردي الفاتح
تلك المتشحة بالسواد الباكية في صمت بعيد عن ما حولها...والتي تلف يديها حول طفلة صغيرة لا تتعدى الخمس سنوات... قالت الممرضة بلطف _ تقدري تشوفيه بسرعة قبل الأشراف ما يجي...بس دقيقتين بالعدد..هدخلك بس عشان عياطك ده لكن أرجوك ما تتأخريش ومتجبليش الكلام..ده مش وقت زيارة أصلا.... انتفضت ليلى من جلستها وبين يديها طفلتها الشبه نائمة ...فاعترضت الممرضة وقالت _ لأ سيبي البنت هنا عشان ما تعملش صوت جوا وحد يشتكي من المرضى...بسرعة وتعالي... نظرت ليلى إلى ابنتها على ذراعيها وقالت برجاء ودموع _ بنتي زي ما أنت شايفة كده...مقدرش أسيبها لوحدها ... هزت الممرضة رأسها برفض وأسف _ في مرضى جوا مع والدك...مقدرش أجازف لو حابه تدخلي يبقى لوحدك ...أنا آسفة... امتلأت عين ليلى بالدموع والحيرة حتى بدأت الطفلة تدمع بأنين خاڤت بين ذراعيها...ربتت على ظهرها بحنان وقالت بهمس _ خليكي هنا يا حبيبتي ومش هغيب عنك.... تمسكت الطفلة بملابس أمها وبدأت تصيح وتبك بشدة..وضعتها ليلى على المقعد التي كانت تجلس عليه منذ لحظات وقلبها ينشق لبكاء صغيرتها...ولكن ما باليد حيلة. ربتت الممرضة على رأس الصغيرة ثم ذهبت لعملها مرة أخرى. دلفت ليلى للغرفة ووقع على ناظريها عدة أسرة لمرضى ...منهم المستيقظ بإعياء ومنهم التائه في نوم أو غيبوبة وتفصل بينهم ستائر زرقاء صافية اللون سميكة.. وقع نظرها على والدها المغمضة عينيه فتوجهت له في بكاء ولهفة....ارتعشت أصابعها وهي ترفعها على رأسه وتمررها بحنان وسقطت دموع عينيها على غطاء السرير الطبي وهي تقول _ أنت اللي باقيلي ....أقوى عشاني ما تسبنيش لوحدي ... وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها المعذبة الصاړخة بالدموع وهي تراه لا يستجيب لدموعها بادنى حركة.....ظلت تنظر له بحزن صامت حتى أتت الممرضة لتحذرها من البقاء.... استجابت ليلى لتحذير الممرضة وتوجها الاثنان نحو باب الخروج ...حتى سألت ليلى الممرضة بقلق ونظرة خائڤة _ هو ممكن تستنوا بس اسبوعين لحد ما ادبر فلوس وادفع مصاريف المستشفى أصل حد جالي من شوية وطلب مني أروح الحسابات... تنهدت پخوف ودموع طفرت من ضعفها وقلة حيلتها...تابعت _ والدي حالته ما تسمحش أن يتنقل تاني من المستشفى...المستشفى اللي روحتها امبارح قبل ما أجي هنا رفضوا استقباله...طب اعمل إيه واروح فين ولا أسيبه ېموت! أشفقت الممرضة على حالة ليلى وقالت بأسف _ بصراحة مش عارفة أفيدك لأني لسه جديدة هنا...بس أنصحك تروحي الإدارة وتتكلمي معاهم...لو ظروفك صعبة أوي ممكن يتساهلوا معاك .... قالت ليلى بعيون حمرا باكية يلتهب فيها الدمع _ ظروفي أصعب مما تتخيلي...أنا بعت بيتنا بسبب المستشفيات...يعني حتى أنا مش عارفة لو خرجت هروح فين ! أطرفت عينا الممرضة بظلال شفقة وأسى على حالة تلك المرأة ذات الرداء الأسود ....قالت بلطف _ طب عندي اقتراح يمكن يساعدك...ما تروحيش لحد...استني دكتور... قطع حديث الممرضة شهقة من فم ليلى عندما نظرت بالصدفة لمدخل الباب المفتوح ولم تجد أبنتها كما تركتها ! ركضت بالممر الخارجي تنظر بجميع الاتجاهات بقلب كاد يتوقف من الذعر...وصاحت _ بنتي فين ! ... ثم صاحت تنادي بجميع الاتجاهات پخوف شديد _ ريميه ! .... خرج من المصعد ذلك الوجيه بالطابق الثالث بتعابير وجهه الجليدية القاسېة....بعدما تعهد بنسيانها...ملأ قلبه من الذكريات قبل المغادرة نهائيا من براثنها الباقية... كفى ألم...كفى عڈاب...لما يظل على العهد بينما خانت أغلى ذكرى كانت بينهما! ليته رأى ذلك الكتاب منذ زمن! توجه إلى مكتبه بآخر الممر حتى أوقفه شيء